ليس بيننا وبين هذا النظام إلا المصلحة العامة، فالموضوع لا يدخل فيه الحب ولا الكراهية ولا القبول الشخصى ولا الكيمياء التى لابد من توافرها بين العشاق.إنما هي علاقة عمل وعقد اجتماعى بيننا وبين موظف عام يختاره الشعب ليحقق المصلحة بالانتخاب المباشر .. إن حقق أحلام الشعب أعيد إنتخابه، وإن لم يحدث يشكر على حسن التعاون، ويتم انتخاب شخص آخر نعطى له نفس الفرصة التى أعطيناها لسابقه ليحقق أمل الناس فى حياة كريمة يسودها العدل والمساواة.
لكن هل الموضوع بمثل هذه البساطة ؟ لا بالطبع ، إلا أنه كان ينبغى أن يكون، إنما هى مصالح خاصة تتصارع ولا ترى خارج إطار منافعها المباشرة وليذهب الآخرون للجحيم، أو ليقبلوا الظلم صاغرين.
مناسبة قولى هذا امران : أولا قرب حلول الانتخابات الرئاسية، والتى لا نشم لها رائحة أو نسمع لها صوتا ينبىء بقرب قدومها. فلا نرى مرشحين يعلنون بشجاعة عن نيتهم لخوض تلك الانتخابات، رغم أن الموضوع لا يستحق الشجاعة، فهذا حق دستورى.. ولكن تلك خصوصيتنا بلا فخر!
ولم نر برامج ولا زخما إعلاميا ينبه الناس بأن انتخابات مهمة قادمة على الأبواب، ولم نر حراكا اجنماعيا يشى بها، بحيث تنشط الأحزاب والمؤسسات المدنية لتوعية الناس بما يجب أن يكون عليه المرشحون الرئاسيون المتنافسون على أهم مقعد حكومى فى البلد من ثقافة وعلم وخبرات سياسية وتاريخ مهنى يطمئن لملائمته للمنصب الهام، ولم تنشط الصحف للقيام بدورها هى الاخرى فى هذا المجال إلا بترويع وتشويه كل من يتجرأ ويعلن الرغبة فى الترشح للمنصب العام أو يعلن عن تأييده لزيد أو عبيد، كاشفا أسباب هذا التأييد أو حيثيات اختياره وتشجيع الناس على انتخابه وهى آليات الديموقراطية العالمية و التى لا تدعى خصوصية ذلك المجتمع أو ذاك، إنما هى أمور عامة متعارف عليها إلا فى المحروسة !
غير أن المجتمع سمع هس.. إلا من التأييد والتطبيل طمعا فى الجزرة أو خوفا من عصا آتت أكلها فى السنة السابقة وختمتها بحسن الختام: قانون الطوارىء الذى لا أعرف أين سيكون موقفه وموقعه من حيثيات انتخابات تتطلب الاجتماعات العلنية، وما يصاحبها من تفنيد أعمال وإنجازات الرئيس وانتقاده وإظهار مبررات الاكتفاء بالمدة الرئاسية الأولى وله احدى الحسنيين، إن أثاب أو أخطأ، مادامت النية خالصة وصلاح العباد أجمعين هو الهدف والنية!
أما الانتخابات الأخرى التى تقود مصر معركتها لنيل منصب مدير عام مؤسسة اليونسكو بمرشحتها مشيرة خطاب والتى عرفنا أن الفرنسية قد نالتها، فإنها هى الاخرى معركة كشفت المسكوت عنه والذى ظهر إلى السطح بمناسبة تلك المنافسة والتى ترفع لواء العلوم و الثقافة والتربية باعتبارها هدفا ساميا لمن ينشد هذا المنصب ويتمناه برفع علم بلاده فى هذا المضمار.
هنا انقسم المجتمع كعهدنا منذ ثورة 25 يناير مابين مؤيد للترشيح المصرى بصرف النظر عن استحقاق المرشح للمنصب الكريم، كوسيلة لإظهار الدعم لمرشح الدولة ، دعما كاملا لمجرد أنه يمثل مصر وبين من يرفض هذا الترشيح على أساس موقف المرشحة من حال الثقافة والعلوم والتربية وإنجازها فى هذا المجال أو اعتراضها على الممارسات التى تسىء لها و لو بالقلب وهذا اضعف الايمان.
الذين ينتقدون المرشحة المصرية ويسقطون عليها كل مآخذنا السياسية فيما يخص الثقافة والتعليم لهم مبرراتهم ويضربون الأمثلة القريبة من إغلاق مكتبات الكرامة، لمجرد أن الذي أقامها معارض سياسى متجاهلين الدور التربوى والتثقيفى الذي تقوم به فى مجتمعات فقيرة أسيرة للجهل والفقر والمرض، مما أوقع بالكثيرين فى براثن الارهاب أو الإسلام السياسي، وكانت تلك المكتبات محاولة جادة فى محاربة ما سبق، ولكن للأسف لم يفرق من بيده الامر بين المعارضة السياسية التى يخافها والمنفعة التى كان سيستفيد منها شباب هم ضحايا إهمال الدولة فى ذلك المجال.
و لن أردد مايقوله المعارضون وهم على حق فى ذلك، كيف كانت سترد مرشحتنا إن كانت كسبت المعركة إذا ما سئلت عن تردى الأحوال فى مجال الحريات والتعبير واعتقال المعارضين والعصف بمنابر إعلامية لم تلتزم بمبدأ الحشد الاعلامى ضمن الصوت الواحد، وافتقار التعليم فى مصر إلى أقل متطلباته وانتشار الأمية التعليمية فى المدارس الحكومية وإطلاق جهال التيار السلفى المنتشر فى أنحاء البلد، ينشر الجهل الدينى ويخرب العقول ويؤسس لقيم الجبن واليأس وطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه حتى لو ضرب ظهرك وأخذ مالك!
لا أعرف ماذا سيكون حال مرشحتنا إذا ما طلب منها أن تفسر ممارسات على مستوى الثقافة تديننا وتخزينا فى مضمار الفكر الإنسانى وقبولنا لبديهية الاختلاف وتعايشنا وقبولنا للآخر، بل رأتنا نردد حماقات المتأسلمين وآخر ما أنتجته خزعبلات فقه عصور الانحطاط والدولة تتجاهلهم أو تؤيدهم سرا فى الوقت الذي نراها تطارد علاقة حب شريفة جرؤ العاشقان فيها على إعلان الارتباط الرسمى فى مشهد رومانسى عفيف فى الجامعة علنا، ولم نسمع لها صوتا فى ممارسات التعذيب الجنسى التى تقشعر لها الأبدان، والتى تدينها كل القيم الانسانية والدينية.
أما التربية فقل عليها السلام، حيث كان ينظر للمدارس على أنها بالأساس تربى وتعلم، بدقة ميزان إن اختل ضاعت البوصلة المرشدة لشبابنا الذى هم مستقبلنا وإن كرهت دولة العواجيز !!
فأين حصص الفنون والموسيقى و الألعاب الرياضية؟ أين مجموعات الأدب والإبداع والتمثيل؟ أين الرسم والشعر وهما غذاء الروح الذى يلين النفوس ويرقق المشاعر، حيث تسود مشاعر الحب وقبول الاخر بدلا من الكراهية وقيم الفجاجة والتدني.
أين النماذج القدوة التى تعطى للشباب أملا أنه لا يصح الا الصحيح! بينما الواقع يقول عكس ذلك تماما . للأسف لم أجد فى نفسى حماسا لأن أؤيد مرشحة الدولة التي أعرف جيدا أنها لا ترشح إلا أهل الثقة، بينما يلقى أهل الخبرة فى أتون الإهمال و النسيان، حتى لو لم تكن حالة مرشحتنا كذلك على رأى كثيرين أحترم رأيهم.
إنما الأمر غياب الثقة نتيجة لممارسات سابقة رأينا فيها اغفال الكفاءة والابقاء على الأسوأ فى كل المجالات فى إطار تثبيت السلطة على مر الخمسين سنة السابقة، إلا فى استثناءات فرت من منظومة اختيارات الأمن السيئة والتى كانت سبب انفجارنا ضد السلطة وقيام ثورة المصريين فى يناير!
أتمنى أن ياتى اليوم الذى تصبح فيه الانتخابات الرئاسية مجالا للفرح وممارسة حرية الاختيار لمن يحكموننا، وأن يصير مرشح الدولة هو مرشح الشعب فى كل المجالات بلا شكوك أو ظنون أو كراهية لمجرد أنه مرشح النظام!